سورة إبراهيم - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصّلاةِ} يعني: ممن يقيم الصلاة بأركانها ويحافظ عليها، {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} يعني: اجعل من ذريتي من يقيمون الصلاة.
{رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} أي: عملي وعبادتي، سمّى العبادة دعاءً، وجاء في الحديث: «الدعاء مخ العبادة».
وقيل: معناه: استجبْ دعائي.
{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} فإن قيل: كيف استغفر لوالديه وهما غيرُ مؤمنين؟ قيل: قد قيل إن أمه أسلمت.
وقيل: أراد إن أسلما وتابا.
وقيل: قال ذلك قبل أن يتبين له أمر أبيه، وقد بيّن الله تعالى عذر خليله صلى الله عليه وسلم في استغفاره لأبيه في سورة التوبة.
{وَلِلْمُؤْمِنِينَ} أي: اغفر للمؤمنين كلهم، {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} أي: يبدو ويظهر. وقيل: أراد يوم يقوم الناس للحساب، فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهومًا.
قوله عز وجل: {ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور، والآية لتسلية المظلوم وتهديد للظالم.
{إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ} أي: لا تغمض من هول ما ترى في ذلك اليوم، وقيل: ترتفع وتزول عن أماكنها.


{مُهْطِعِينَ} قال قتادة: مسرعين.
قال سعيد بن جبير: الإهطاع النَّسَلان كعَدْوِ الذئب.
وقال مجاهد: مديمي النظر.
ومعنى الإهطاع: أنهم لا يلتفون يمينًا ولا شمالا ولا يعرفون مواطن أقدامهم.
{مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ} أي: رافعي رؤوسهم.
قال القتيبي: المُقْنِعُ: الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه.
وقال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحدٌ إلى أحد.
{لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي: لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر، وهي شاخصة قد شغلهم ما بين أيديهم.
{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أي: خالية. قال قتادة: خرجت قلوبهم عن صدورهم، فصارت في حناجرهم، لا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها، فالأفئدة هواء لا شيء فيها، ومنه سمي ما بين السماء والأرض هواء لِخُلُوِّهِ.
وقيل:خالية لا تعي شيئا ولا تعقل من الخوف.
وقال الأخفش: جوفاء لا عقول لها، والعرب تسمي كل أجوف خاوٍ هواء.
وقال سعيد بن جبير: {وأفئدتهم هواء} أي: مترددة، تمور في أجوافهم، ليس لها مكان تستقرُّ فيه.
وحقيقة المعنى: أن القلوب زائلة عن أماكنها، والأبصار شاخصة من هول ذلك اليوم.
{وَأَنْذِرِ النَّاسَ} خوفهم، {يَوْمَ} أي: بيوم، {يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} وهو يوم القيامة، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أشركوا، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا} أمهلنا، {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} هذا سؤالهم الردّ إلى الدنيا، أي: ارجِعْنا إليها، {نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} فيجابون: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ} حلفتم في دار الدنيا، {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} عنها أي: لا تبعثون. وهو قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل- 38].


{وَسَكَنْتُمْ} في الدنيا، {فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بالكفر والعصيان، قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} أي: عرفتم عقوبتنا إيّاهم، {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ} أي: بيَّنا أن مثلكم كمثلهم.
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ} أي: جزاء مكرهم، {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} قرأ علي وابن مسعود: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} بالدال، وقرأ العامة بالنون.
{لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} قرأ العامة لتزول بكسر اللام الأولى ونصب الثانية.
معناه: وما كان مكرهم.
قال الحسن: إن كان مكرهم لأضعف من أن تزول منه الجبال.
وقيل: معناه إن مكرهم لا يزيل أمر محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو ثابت كثبوت الجبال.
وقرأ ابن جريج والكسائي: {لتزول} بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، معناه: إن مكرهم وإن عظم حتى بلغ محلا يزيل الجبال لم يقدروا على إزالة أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: معناه وإن كان شركهم لتزول منه الجبال، وهو قوله تعالى: {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم- 19].
ويُحكى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معنى الآية: أنها نزلت في نمرود الجبَّار الذي حاجَّ إبراهيم في ربه، وذلك أنه قال: إن كان ما يقول إبراهيم حقًا فلا أنتهي حتى أصعد السماء فأعلم ما فيها، فعمد إلى أربعة أفرخ من النسور فربَّاها حتى شبت واتخذ تابوتًا، وجعل له بابًا من أعلى وبابًا من أسفل، وقعد نمرود مع رجل في التابوت، ونصب خشباتٍ في أطراف التابوت، وجعل على رؤوسها اللحم وربط التابوت بأرجل النسور، فَطِرْنَ وصعدن طمعًا في اللحم، حتى مضى يوم وأَبْعَدْنَ في الهواء، فقال نمرود لصاحبه: افتح الباب الأعلى وانظر إلى السماء هل قربناها، ففتح الباب ونظر فقال: إن السماء كهيئتها ثم قال: افتح الباب الأسفل وانظر إلى الأرض كيف تراها؟ ففعل، فقال: أرى الأرض مثل اللجَّة والجبال مثل الدخان، فطارت النسور يوما آخر، وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران، فقال لصاحبه: افتح البابين ففتح الأعلى فإذا السماء كهيئتها، وفتح الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة، فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟
قال عكرمة: كان معه في التابوت غلام قد حمل معه القوس والنشَّاب فرمى بسهم فعاد إليه السهم متلطخًا بدم سمكة قذفت نفسها من بحر في الهواء- وقيل: طائر أصابها السهم- فقال: كفيت شغل إله السماء.
قال: ثم أمر نمرود صاحبه أن يصوِّب الخشبات وينكص اللحم، ففعل، فهبطت النسور بالتابوت، فسمعت الجبال حفيف التابوت والنسور، ففزعت وظنت أنه قد حَدَثَ حدثٌ من السماء، وأن الساعة قد قامت، فكادت تزول عن أماكنها، فذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10